مــنتدى بوحمامة للــتربية والـــتعليــم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مــنتدى بوحمامة للــتربية والـــتعليــم


 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 شاب أبكى الرجال ج -2

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ahlam86
مــشـــرفـــــة
مــشـــرفـــــة



انثى عدد الرسائل : 127
العمر : 37
البلد : الجزائر
الوظيفة : طالبة
دعاء المنتدى : شاب أبكى الرجال ج -2 15781610
وسامي : شاب أبكى الرجال ج -2 970
الأعلام : شاب أبكى الرجال ج -2 Female11
مهنتي : شاب أبكى الرجال ج -2 Collec10
هوايتي : شاب أبكى الرجال ج -2 Readin10
تاريخ التسجيل : 08/07/2008

شاب أبكى الرجال ج -2 Empty
مُساهمةموضوع: شاب أبكى الرجال ج -2   شاب أبكى الرجال ج -2 Icon_minitimeالسبت أغسطس 09, 2008 1:47 am

شاب أبكى الرجال ج -2 Icon
أما بعد أيها الأخوة المؤمنون :
شاب أبكى الرجال ، ومجاهد أذهل الأبطال ، وداعية نادر المثال ، وشهيد أثبت من الجبال .. ذلكم هو ( مصعب بن عمير ) رضي الله عنه .
عرفناه في الجمعة الماضية - وهو الشاب المدلل - واقتربنا منه ؛ لنراه وهو المسلم الجديد ، وعشنا معه بعض سيرته ، وهو المؤمن الممتحن الذي مرت به محن رهيبة ، وفتن عصيبة ، فاستعلى عليها بإيمانه ، وقهرها - بعد مشيئة الله - بإسلامه ..</STRONG>
مصعب بن عمير الذي تقلّب في أتون المحن - وهو غض الإهاب ، ولين العود ، وهو قليل الخبرة - لكن عظمة إيمانه ، ورسوخ يقينه ، وصدق إسلامه ، وصحة إخلاصه ، جازة به لمهامه ، وتخطت به المفاوز حتى وصل إلى بر الأمن والإيمان ، وإلى رسوخ السلامة والإسلام ، وإلى أن كان شامةَ في صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فرض نفسه على عقولهم .. فتذكروه وعلى عيونهم دمعة ، وبالدمع كانت تؤيد وتذكرنا بأن مصعباً كان طرازاَ فريداَ من نتائج وثمار الإيمان ؛ فقد مرَّ بمحنة الفقر بعد الغنى ، من غاية الترف إلى شدة الفقر .. فلم يفتن بالأموال الطائلة ولم يحفل بالأعراض الزائلة وكان يوقن بقول الحق سبحانه وتعالى : { ما عندكم ينفد وما عند الله باق }.
وكان قلبه متعلقاً بقول المولى سبحانه وتعالى : { ورزق ربك خير وأبقى }.
وكان يدرك المقارنة القرآنية التي تقوم على الأسس الإيمانية : { وما أتيتم من شيءٍ فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى } .
</STRONG>
عندما تستقر حقائق الرزق أنه من عند الله سبحانه وتعالى ، وحقيقة الدنيا أنها دنية حننئذِ يمكن للإيمان أن لا ينظر للدنيا وبهرتها ، وللأبصار أن لا تخطف بزينتها وفتنتها ، وللأقدام أن لا تزلّ في أوحالها ومزالقها .
ذلك أن الإيمان بإذن الله عز وجل قوةٌ وذخر ، وأن الإسلام عزةُ وفخر .. ينبغي أن ندرك ذلك حتى نفتش عن إيماننا في قلبنا ، ويقيننا في نفوسنا ؛ لننظر في حالنا كيف غلبت علينا الشهوات ، ولفّت أنظارنا الملذات ، وتعلقت قلوبنا بالمسرات وبألوان الفتن التي تعرض علينا بصور مختلفة ، وبألوانِ زاهية ، وبحللٍ باهيه ، فإذا نحن نصرع في الجولة الأولى رغم أننا لم يكن لنا سابقة ، ولا حياة ماضية كانت لمثل ما كانت لمصعب رضي الله عنه وأرضاه .
ما على المؤمن أن يمسي بلا *** ذهبٍ حرٍ وحللٍ فاخرة
إنما التقوى لباسُ وحلى *** تزدهي فيها القلوب الذاكرة
</STRONG>
هكذا كان مصعب يضرب المثل بالمؤمن الذي يجعل من إيمانه الزاد العظيم ، ومرّ بمحنة الذلّ من بعد العز .
قد كان في دنيا الناس له عز وجاه ومكانة ، وانتقل بعد ذلك إلى ذلٍ وإهمالٍ وإهانة ، لكنه لم يتأثر بسخرية ، ولم يحفل بازدراء بل كان ملأ قلبه : { من كان يريد العزة فإن العزة لله جمعا } .
كان يعلم أن العزة بمقياس الإيمان يختلف ما يظنه الجهلاء الصغار الأقزام ، الذين يلتفتون إلى العز في الأحساب والأنساب والجاه والشرف وغير ذلك من الألوان .. لم يكن مصعب كذلك بل كان يهتف بملء صوته للدنيا كلها : { ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون } .
</STRONG>
المنافقون عقولهم صغيرة ، وعلمهم ضالٌ منحرف ، وشهواتهم زائغةً .. ولذلك يلتفتون هنا وهناك يمنةَ ويسرة ؛ حتى جاء فيهم قول الحق جل وعلا : { بشر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً * الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا }.
وكم نرى في دنيانا اليوم من يذل نفسه ويذل إيمانه ويبيع مبادئه ليبتغي شرفاَ زائفاَ أو عزةَ جوفا يطلبها عند أهل الدنيا وأن كانوا من أهل الفساد .
ويرجوها عند أهل الكفر وهم من أهل الطغيان وما ينظر إلى شرفِ هو أعظم شرف وإلى عزِ لا يدانيه عز
كن مسلماً وكفاك عند الله ذخراً *** كن مسلماً وكفاك بين الناس فخرا
</STRONG>
العزة بالإيمان والفخر بالإسلام مثل ضربه مصعبٌ رضي الله عنه عندما كان من كان من بني عبد الدار ، وما كان لهم من ألوان الشرف ، لم يكن كأبي جهل ، أخزاه شرفه ، وأرداه عزه وجاهه ، وحال بينه وبين رحاب الإيمان الواسعة وبين أنوار الإيمان المشرقة فقال : " فإذا قالوا منا نبي فمن أين لنا بنبي ، فوالله لا نؤمن به الدهر كله " .
فكان طاغية الكفر ، وكان فرعون الأمة ، وكان في أسفل السافلين ، وفي الدرك الأسفل من النار مع الكافرين .
</STRONG>
لكن مصعب رضي الله عنه رفع شعار الاعتزاز بالإيمان ، والفخر بالإسلام ، فهل نعي ذلك وندركه في واقع حياتنا ، ونحن نرى من بيننا من يطأطئ رأسه خجلاً أن يذكر بإسلامه ، أو يعرف بإيمانه ، أو يظهر شعائر دينه .. ونحن نرى أنفسنا وقد عراها من الضعف أنها باتت لا تثق بنفسها ، ولا تعرف تاريخها ، ولا تدرك عظمتها ، ولا تعرف الشوامخ من رجالها !
ينبغي أن نعيد النظر في واقعنا ، ونتعلم من هذا الشاب الغض الإهاب في الريد مدرسة النبوة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام .
</STRONG>
ومر مصعب بمحنة المقاطعة بعد المواصلة ، بعد أن كان في أهله وعشيرته موضع الحماية والمراعاة صار إلى موضع العداوة والمجافاة .. قاطعه المقربون ، وجفاه المحبون ، فلا أمُ رؤوم ، ولا أبٌ رحيم ، ولا أخٌ كريم ، ولا صديقُ حميم .. وحشةٌ ومقاطعةٌ ومجافاةٌ ومعاداة .. لكن مصعب كان يعرف القاعدة الإيمانية القرآنية :
{ لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آبائهم أو أبنائهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروحِ منه }.
</STRONG>
كتب الإيمان في صفحات قلوبهم وفي سويداء قلوبهم ، صبغ بعد الفتنة والمحنة فصار مختلطاً بالدماء ، وصار مختلطاً باللحم والعصب ؛ لأنه قد طبع طابعاً قوياً راسخاً إذ قد استعلى على هذه المحنه التي فيها الأباء والأمهات والزوجات والذرية ؛ فإن المؤمن ينبغي أن يتحسس إيمانه ليدرك هل سينجح في اختبار عندما يكون الأهل والقبيلة والعشيرة في كفة ، والإسلام والإيمان وأهله في كفة أخرى ؟!
هل يضف أم يمضي كما مضى مصعب رضي الله عنه ؟
ونحن نعرف كيف كانت معاملة أمه له .. لكن لسان حاله كان يقول :
أبي الإسلام لا أبى لي سواه *** إذا افتخروا بقيسٍ أو تميم
</STRONG>
وكان يعلن : إنه الإسلام أمي وأبي عوض ذلك من هذا الإيمان وذلك الإسلام عندما عرفه حق المعرفة ، وعندما تشرّبه حق التشرّب ، وعندما مضى عليه واثقاً بالله عز وجل ، وبوعد الحق سبحانه وتعالى ، ومضى بإذن الله سبحانه وتعالى بهمةٍ وعزيمةٍ قوية ، ومضى قبل ذلك بنية وتوجه خالص : { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } .
إنها عناية الله وتوفيقه ؛ وإلا فإن رجلاً وشاباً في وصورة وسيرة مصعب بن عمير لم يكن له ليتجاوز كل هذه المحن العصيبة الرهيبة المزلزلة لولا توفيق الله عز وجل ، الذي كان منشئه من فضل الله سبحانه وتعالى ذلك الصدق والإخلاص ، ثم العمل والبذل والجد ، ثم الاستقامة والمجاهدة والمواصلة .
</STRONG>
ومرّ مصعب - رضي الله عنه - محنة العناء بعد الهناء ، فقد لقي العذاب حبساً وربطاً ، والعنف جلداً وضرباً ، ومرّت به الشدة من بعد الرقة ، والمشقة من بعد الراحة ، ولقي التعب والنصب والجوع والعطش ، لكنه عوّض ذلك بغذاء الإيمان ، وزاد الصبر ، وشراب الذكر ، وظل إيمانه محصناً ، وإسلامه ممنعاً ..
قد تملك سوطاً تكويني *** وتحز القلب بسكيني
لكن سلطانك لن يرقى *** لذرى إيماني ويقيني
فيقيني في قلبي يبقى *** ويقيني بالله يقيني
</STRONG>
ماذا يبلغ أهل الدنيا من الطغاة والمتجبرين من مؤمن قد اختبأ إيمانه بسويداء قلبه ، واختلط مع دمائه ولحمه وعصبه ، إنه مهما أوتي أولئك القوم من قوى الأرض ، ومن مكر ودهاء الخبثاء لا يمكن أن يصلوا إلى تلك الدائرة المحمية بإذن الله سبحانه وتعالى .. دائرة الإيمان الصادق واليقين الراسخ ؛ فإن مصعباً خاض المعركة ، وخاض هذه المشقة وهو يحتفظ بإيمانه في سويداء قلبه .</STRONG>
خاض المحنة وهو يهتف :
سأخوضها والقيد يثقل معصمي *** سأخوضها والقيد يقطر من دمي
سأخوضها وأزلزل الطغيان رغم الناقم *** سأخوضها بدم الشباب المسلم
إذا خالط الإيمان قلباً لا يمكن من قوة من قوى الأرض مهما أوتيت أن تنزعه ، وكذا كان صحب محمد صلى الله عليه وسلم عندما اجتمعت قريشٍ كلها بقوتها وبطشها وجبروتها ومكرها ودهائها وحلفائها ، لم تنل من واحدٍ من الرعيل الأول أي ثغرةٍ ، ولا أية هفوة ؛ بل تكسرت نصالهم ، وارتدت رماحهم ، وخابت مساعيهم ، وفشلت خططهم على أسوار الإيمان المنيعة ..
</STRONG>
وهذا ما ينبغي أن ننظر إليه في أحوال حياتنا وقد كثرت الثغرات في صفوفنا ، وقد أثخنت الأجساد بجراح الأعداء من شهواتِ وانحرفاتِ وغير ذلك ..كأنما أصبح أهل الإيمان جداراً منخفضاً يعلوه كل ساقط وكل دنئ وكأنما أصبح المسلمون غرضا يرميه كل رامٍ فيصيب إصابته التي يريد أين عزة الإيمان ؟ أين مبادئ الإسلام ؟ أين الفهم الصحيح ؟ أين القوة المتماسكة ينبغي أن نعيد النظر إلى ذلك في أنفسنا ، وفي ذواتنا وفي أحوالنا وأفكارنا وسلوكنا ومواجهاتنا لأعدائنا ليس بضرورة أن تكون مواجهة مباشرة بل مواجهة الغزوي الفكر والانحرافي والسلوكي والغزو الأرضي والفضائي الذي أصبح كثير من الناس يتهاون كأنما هم جراد يصرع أو كأنما هما فراشُ يهلك ليس له حولُ ولا طولُ ولا قوةٌ ولا منعة .
ينبغي أن نعي بناء أنفسنا في إيماننا وإسلامنا ويقيننا ورسوخنا أن نجدد عهدنا مع الله عز وجل ، وأن نقوي صلتنا به ، وأن نملأ نفوسنا حماسة وحمية وغيرة على هذا الدين ، وأن نشهد عزمنا قوة ومضاء للسير والأخذ بهذا الدين بقوة : { يا يحي خذ الكتاب بقوة } .
لا ينبغي أن نكون في ديننا متساهلين متماوتين متهالكين متخاذلين متراجعين مترددين متشككين ، فليس هذا شأن المسلم ولا هذا حال المؤمن فانظر إلى مصعب رضي الله عنه وأرضاه كيف جاز هذا المحن ؟ وكيف مرّ بهذه الفتن وما ناله منها شيء ، بل تساقطت كلها عند قدميه ومضى يخلفها وراءه وهي تلهث وتضعف وتتهاوى وتذوي وهو يشمخ ويرتفع ويعلوا ويسموا بإيمانه وإسلامه .
</STRONG>
ولننظر إلى صفحةٍ جديدةٍ من سيرة مصعب :
صفحة المهاجر الغريب
عندما اشتد الأذى بأهل الإسلام والإيمان ، وعندما زاد البغي والطغيان رأى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أنه يحتاج الأمر إلى تدبير أخر ، وإلى جولة ومواجهة أخرى ، فقال لبعض أصحابه في هذا المعنى يحثهم على أن يخوض المعركة في أرضٍ أخرى : لو ذهبتم إلى أرض الحبشة ؛ فإن فيها ملكاً لا يظلم عنده أحد وإنها أرض صدق .
فكانت الهجرة الأولى للحبشة في العام الخامس من بعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي كان يوافق العام الثاني من جهره عليه الصلاة والسلام بالدعوة ، وكان المهاجرون الأوائل قلة قليلة لم تتجاوز أحد عشر رجلاَ وأربع نساء .
وكان مصعب بين هذا العدد القليل ثم سمع الصحابة المهاجرون بعد نحو ثلاثة أشهر شائعاتٍ أن الأذى قد خفت وطأته ، وأن المعاداة قد فترت جذوتها ، فأزمعوا الرجوع ورجعوا ، وكانت هذه من حيل أهل الباطل ، فعندما بلغوا مكة وجدوا أن الأذى مضاعفاً ، وأن المعاداة زائدة ، فتسللوا مختفين ، ودخلوا في جوار بعض الكافرين ، ثم ما لبث أمر الهجرة أن تجدد وهاجر الصحابة هجرة الحبشة الثانية ، وكان فيها حينئذٍ عدد أكبر " ثلاثة وثمانون رجلاَ وثماني عشر امرأة ".
</STRONG>
ولحقتهم الجاهلية تريد أن تبطل هذه الهجرة ، وأن تردهم على أعقابهم ناكصين ، فأهدوا البطارق وشككوا النجاشي ، ثم خاب سعيهم بتأزر المسلمين .
ننظر إلى مصعب - وهو يمر بهذه الفتنة ، وبهذه المحنة - محنة المغادرة بعد المواطنة - ولا شك أن شاباً في مثل سن مصعب ليس من السهل أن يفارق مسقط رأسه ، ومراتع صباه ، ومواطن ذكرياته .. وكل إنسانٍ يعلم أن للقلب والنفس تعلقاً بالأرض التي ولد وعاش فيها ، وأنه يحنّ ويشتاق إليها ، وأن هذه فطرة فُطِر الناس عليها ..
والعين بعد فراقها الوطن *** لا ساكناً ألفت ولا سكنا
</STRONG>
وقد لمحنا ذلك في سير هجرة بعض الصحابة في هجرة المدينة - التي سيأتي ذكرها - عندما مرض الصحابة عند تغير الجو في المدينة ، وبدأت ذكريات مكة تداعب قلوبهم ، وتخالط نفوسهم .. فإذا عائشة تمرض أباها ، فتدخل عليه وهو يقول :
كل امرئِ مصبح في أهله *** والموت أدنى من شراك نعله
ثم إذا بلالٌ رضي الله عنه يقول :
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلةً *** بوادٍ وحولي إذخر وجليل
وهل أرد يوماً مياه مجنةٍ *** وهل يبدون لي شامة وطفيل
حنينٌ إلى المواقع الأولى ؛ حتى دعى النبي صلى الله عليه وسلم : ( اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة وأكثر ) .
فننظر إلى مصعب وهو في هذه السن ، وفي تلك النعمة وهو يهاجر مع المهاجرين - بعد أن كان محبوساً يلتمس الفرار والفكاك - ولم تكن هجرة الحبشة فراراً ، ولا هجرة المدينة هرباً ، وإنما كانت لأغراضِ ومشارب شتى ..
وكان مصعبُ رضي الله عنه - وهو يمر بهذه الفتنة والمحنة - يصيح ويهتف مع القائلين :
خذوا كل دنياكم واتركوا *** فؤادي حراً غريباً وحيداً
فإني أعظمكم دولةً *** وإن خلتموني طريداً شريداً
</STRONG>
فإن لإيمان في القلب يعوض بإذن الله عز وجل ويتذكر المرء الوعد الرباني : { وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ } .
كان مصعباً والمهاجرون يدركون ذلك ، ويعرفون وعد الله سبحانه وتعالى : { والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون } .
وهكذا أكتمل عقد المحنة والفتنة في حياة مصعب ، فأصبح بلا مالٍ ، وبلا جاهٍ ولا أهلٍ ولا راحةٍ .. وأخيراً بلا وطن ، لكن عنده الإيمان والإسلام الذي كان عوضاً عن كل شيء ، فنسأل الله عز وجل أن يجعل لنا في إيماننا قوة وذخراً .
</STRONG>
الخطبة الثانية
أما بعد أيها الأخوة المؤمنون :
والذي يتأمل في هجرة الحبشة وغيرها ، يجد أن هذه الهجرة لم تكن فراراً ولا هرباً ، وإنما كانت الهجرة في حقيقتها ذات أهداف عظيمة ، فقد كانت الهجرة إيماناً وعبادة ، كما قال المهاجرون الأوائل إلى الحبشة مع مصعب بن عمير : " وقدمنا إلى أرض الحبشة فجاورنا فيها خير جارٍ .. أمنا على ديننا وعبدنا الله لا نؤذى ولا نسمع ما نكره " .
</STRONG>
فلقد كانت الجاهلية قد على بغيها حتى كانت تمنع المؤمنين من أداء شعائرهم ، وممارسة إسلامهم ، وأداء فرائضهم .. فكان ذلك لتحقيق الإيمان ، والقيام بالفرائض والعبادات ، وإقامة الشرائع في واقع الحياة ، وكانت الهجرة أيضاً دعوةً .. فبعد أن حاصرة الجاهلية الدعوة بالإرهاب والإرجاف إرهاب في بطش وبغي وإرجاف فيه شبهات وإشاعات وافتراءات .. أصبح الجو محموما لا يتيح للداعية أن يسمع له ، ولا أن ينظر إليه ، ولا أن يقترب منه أصبح الجو جواً يجعل الدعوة والإيمان أمراً مخيفاً وأمراً لا يمكن أن يجد المرء الفرصة ليدرسه في ظل هذه الغلبة للباطل ، فكان لا بد أن يكون ثمة طريق آخر يشق لهذه الدعوة ، وصوت يعلو لها لتسمعه أذان أخرى ، وصورةٌ تتجسد في واقع الحياة لتراها أعين غير تلك الأعين التي قد عميت ، وتبصرها قلوب غير تلك القلوب التي قد عميت .. فمضى الصحابة مهاجرين ، وكان لهم أثر في الدعوة من جراءه وسببه - بعد فضل الله عز وجل - كان إسلام النجاشي رحمه الله ورضي الله عنه .</STRONG>
وكانت الدعوة أيضاً مطاولة للجاهلية ، وهزاً عنيفاً لها .. فقد كانت المعركة محصورةً في مكة ، وأراد المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يسمع الدنيا كلها ، وأن يعرفها ببغي الجاهلية وظلمها ، وبانتكاسة مبادئها ، وباختلال ميزانها ، فخرج الصحابة لم يخرج الضعفاء والأذلاء أو العبيد والموالي وإنما خرج أشراف القوم .. خرج جعفر بن أبي طالبِ - ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم - وكان أبوه أبو طالب هو رداء الحماية للمصطفى صلى الله عليه وسلم ، فما كان جعفر ليناله من الأذى ما يدعوه للهجرة ، ولكن الرسول أراد أن يهز بيوتات مكة كلها .. خرجت أم حبيبة بنت أبي سفيان - قائد الحملة الجاهلية على الإسلام - ليجعل الرسول صلى الله عليه وسلم الدعوة تنتشر في جزيرة العرب وتتسامع الناس أن أشراف القوم قد خرجوا اعتراضاً واحتجاجاً على هذا البغي والعدوان .</STRONG>
خرج عثمان بن عفان .. خرج عبد الرحمن بن عوف .. خرج مصعب بن عمير .. خرج الصحابة الكرام ذوي الأشراف ذوي الشرف والأحساب والأنساب ، وكان ذلك كذلك فقد جعل ذلك دوياً عظيماً في أنحاء الجزيرة كلها ، وتسامع الناس بذلك ، وخرج الإسلام وقضيته إلى خارج حدود الجزيرة وواجهة الديانات الأخرى عندما جاء البطارقة والنصارى عند النجاشي ، وكانت ضربة دعوية موفقة من المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وهكذا كانت الهجرة من بعد التي كان مصعب بن عمير مفتاحاً لها ، ومقدمة بين يديها ..
ونرى في ذلك صفحة أخرى من صفحات سيرة مصعب بن عمير وهو السفير الداعية الذي يفتح الله على يديه .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
شاب أبكى الرجال ج -2
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مــنتدى بوحمامة للــتربية والـــتعليــم :: القسم الاسلامـــي :: منتدى البرامج الدينية-
انتقل الى: